بقلم الدكتور/ عبد الرحمن بن عبد الرحمن شُمَيلة الأهدل
بسم الله الرحمن الرحيم
أحمدك اللهم أبلغ حمد وأكمله وأزكاه وأشمله ، وأصلِّي وأسلِّم على سيِّدنا
محمد عبدك ورسولك المصطفى المختار وعلى آله وصحبه ومن تبعهم
بإحسان أما بعد
فإن ما قام به ( حمزة الكشغري ) من نفي لوجود الله عزوجل واحتقار لرسول
الله صلى الله عليه وسلم وما شابه ذلك ( كفر وردة عن الإسلام ) بإجماع
علماء الشريعة الإسلامية لقول الله عز وجل: { قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ
تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } (65) سورة التوبة ، دلت هذه
الآية على أن كل من احتقر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أو استهزأ به
جاداً أو هازلاً فقد كفر”وأجمع علماء الإسلام من السلف والخلف على تكفير
من سب الرسول صلى الله عليه وسلم أوحتقره يقول الخطابي : رحمه الله ( إن
ساب الرسول – صلى الله عليه وسلم – مهدر الدم ، وذلك أن السب لرسول الله
صلى الله عليه وسلم – ارتداد عن الدين ، ولا أعلم أحداً من المسلمين اختلف
في وجوب قتله ) ويقول القاضي عياض : ( دلت نصوص الكتاب والسنة
وإجماع الأمة على تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم وتوقيره واحترامه ومن
ثم حرم الله تعالى أذاه في كتابه ) وقال اسحق بن راهويه : ( قد أجمع العلماء
أن من سب الله عزوجل أو سب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أو دفع
شيئاً أنزله الله أو قتل نبياً من أنبياء الله وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله أنه
كافر ) ويقول السبكي : ( أما سب النبي – صلى الله عليه وسلم فالإجماع منعقد
على أنه كفر والاستهزاء به كفر ) ثم اختلف العلماء في قبول توبته فالجمهرة
من علماء الإسلام على أنه يقتل وإن تاب لأن ذلك حق لرسول الله صلى الله
عليه وسلم ولم نعلم أنه عفا عنه وهو الراجح لكثرة القائلين به ونظر بعضهم
إلى سعة عفو الله ورحمته سبحانه وتعالى وفرحته جل وعلا بتوبة عبده وتأمل
في عطف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن منهجه كان العفو والصفح عمن
أساء ثم تاب وكان يأمر أصحابه بذلك امتثالا لأمر الله في قوله عز من
قائل { وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ
رَحِيمٌ } (22) سورة النور ، فهؤلاء قالوا وهم قلة من العلماء تقبل توبته ففي
الروضة للإمام النووي رحمه الله تعالى ما نصه : ( الباب الثاني في حكم
الردة ) أحكامها كثيرة متفرقة في الأبواب والمقصود هنا نفسه وولده وماله أما
نفسه فمهدرة فيجب قتله إن لم يتب سواء انتقل إلى دين أهل الكتاب أم لا حرا
كان أو عبدا أو امرأة فإن تاب وعاد إلى الإسلام قبلت توبته وإسلامه سواء
كان مسلما أصليا فارتد أو كافرا أسلم ثم ارتد وسواء كان الكفر الذي ارتد إليه
كفرا ظاهرا أو غيره ككفر الباطنية وسواء كان ظاهر الكفر أو زنديقا يظهر
الإسلام ويبطن الكفر وسواء تكررت منه الردة والإسلام أم لا فيقبل إسلام
الزنديق ومن تكررت ردته وغيره وهذا هو الصحيح المنصوص في المختصر
وبه قطع العراقيون انتهى كلام النووي رحمه الله تعالى أيها العلماء الأجلاء إن
علينا واجبا كبيرا هو أعظم من قتل ( الكشغري ) إننا في وقت اختلط فيه
الحابل بالنابل وكثرت فيه الزندقة والإلحاد فما ظهر لنا منه يسير وما خفي كان
أعظم فواجبنا البحث عن أسباب هذا الإلحاد في بعض أمتنا الإسلامية من
شباب وشابات سنجد أنهم في حيرة من أمرهم تقذهم أمواج التشكيك ميمنة
وميسرة تلاحقهم الزنادقة في كل زاوية وفي كل زقاق فيقع الكثير في حبائل
الشيطان وأعوانه لأنهم ما عرفوا الله حق معرفته وما قدروا الله حق قدره
والسبب في ذلك هو تقصيرنا لأننا تركنا الأساليب المطلوبة منا في إقناع
شبابنا بالدين وترسيخ العقيدة في نفوسهم عن طريق ذكر المعجزات والإعجاز
والدلائل على وجود الله عزوجل وعظمته وغيرها من الأساليب التي سينتفع
بها المسلمون وغير المسلمين فهذه الأساليب لا نسمعها إلا من بعض العلماء
ونحن في زمن نحتاج فيه طرقا ناجعة لإقناع شبابنا المسلم الذي تغتاله كثرة
المنكرات المرئية والمسموعة فإذا اهتدى إلى الطريق المستقيم بالإقناع كسبنا
شبابا مسلما بحق وليس بالإكراه فالإكراه لم ينتج شبابا مسلما حقا فلذا يقول
عزوجل { لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ } (256) سورة البقرة
كل خطاباتنا ونصائحنا تدور في فلك واحد فهي بعيدة عن الأسلوب المطلوب
في عصرنا الحاضر قبل فترة من الزمن كنت أسمع للشيخ ( عبد المجيد
الزنداني ) حفظه الله محاضرة في اليوتوب يقول فيها أنه كان مع
البريفسور ( بالمار ) وهو من أشهر علماء الجولوجيا في الولايات المتحدة
الأمريكية وكان رئيس اللجنة التي أشرفت على الاحتفال المئوي للجمعية
الجولوجية الأمريكية يقول عندما التقينا معه وعرضنا له أوجه الإعجاز في
القرآن والسنة كان يندهش وأذكر قصة لطيفة بدأت معه عندما قلت له : إن
القرآن يذكر أخفض منطقة في الأرض ويبين أنها قرب بيت المقدس حيث
دارت المعركة بين الروم والفرس كما جاء في ذلك الإشارة في قوله
تعالى { الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) في أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ
سَيَغْلِبُونَ (3) } سورة الروم ، قال وأدنى تأتي بمعنى ( أقرب ) و
بمعنى ( أخفض ) والمفسرون رضوان الله عليهم ذهبوا إلى معنى أدنى
الأرض أي أقرب الأرض إلى جزيرة العرب ولكن المعنى الثاني أيضا
مقصود ثم قال وعندما درسنا أخفض منطقة في الأرض وجدنا أنها نفس
المنطقة التي دارت فيها المعارك بين الفرس والروم فلما قلنا هذا
للبروفيسور ( ألمار ) قال ” لالا ” المناطق كثيرة هي أخفض من هذه المنطقة
وأخذ يذكر لنا مناطق في أوربا ومناطق في أمريكا فقلنا له يا دكتور نحن قد
تأكدنا من ذلك وكان معه مصور جغرافي مجسم فيه الارتفاعات
والانخفاضات قال الأمر بسيط هذا المجسم يبين لنا أخفض منطقة ووجه نظره
على المنطقة المحددة وهي حول بيت المقدس وإذا به يرى سهما قد خرج من
تلك الخريطة مكتوب عليه أخفض منطقة على وجه الأرض بعد ذلك تحول
بسرعة وقال : هذا كلام صحيح ثم أخذ يشرح ويقول إن هذه المنطقة هي
أخفض منطقة على وجه الأرض وفي نهاية المطاف كتب هذا البروفيسور بحثا
قدمه في القاهرة ختم هذا البحث بقوله : أنا لا أعلم المستوى الثقافي الذي
كان عليه الناس في زمن محمد ولا أدري المستوى العلمي ، فإذا كان الأمر
كما نعرفه عن أحوال الأولين والمستوى العلمي المتواضع الذي ليس فيه
الإمكانيات فلا شك أن هذا العلم الذي نقرؤه الآن في القرآن من العلم الإلهي
قد أوحى به إلى محمد والشيخ الزنداني حفظه الله سجل كلام
البروفيسور ( ألمار ) بالصوت والصورة وعرضه في محاضرته فبعد أن
سمعت هذه المحاضرة كاملة قلت في نفسي سبحان الله ليت كل الناس
تعرف هذا ليعلموا أن هذا القرآن هو من عند الله وأنه المعجزة الكبرى
المستمرة على مدى الحياة فقد ذكر الله عزوجل هذه البقعة وسماها الدنيا
أي ( المنخفضة ) قبل وجود علوم التكنولوجيا وبعد تطور العلم يتبين أنها فعلا
منخفضة بشهادة مستشرق متخصص في هذا المجال { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ
وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } (14) سورة الملك ، وهذا يدل على صدق نبوة محمد
صلى الله عليه وسلم هذا هو الأسلوب الذي يجب أن نوليه اهتماما كبيرا في
خطاباتنا فالعصر يتطلب ذلك نبحر في آي الله في الكون في كل ما ذكر من
إعجاز حتى نكون على استعداد لمواجهة الملحدين من أبناء جلدتنا وغيرهم
بالأدلة والبراهين وما أكثرها لا بالتهديد والوعيد والقوة فإن قلب الإنسان لا
يستجيب بالقوة ما لم يكن مقتنعا بما يسمع من أدلة وبراهين ثم هذا المرتد
إن تاب إلى الله عزوجل فأمره إلى ولي الأمر إن رآى قتله قتله ولو كان تائبا
وهو الراجح من آراء علماء الشريعة الإسلامية وإن رآى عدم قتله لأنه تاب
إلى الله ورجع عن كفره فإنه قول بعض العلماء فإن الله يقبل التوبة عن عباده
يقول الله تبارك وتعالى: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا
مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (53) سورة
الزمر ، وهو منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته فالعمل بقبول
التوبة بعد مماته صلى الله عليه وسلم عمل بما يحبه الله ورسوله فالله يفرح
بتوبة عبده والرسول الكريم يحب العفو والصفح عن التائبين أسأل الله العلي
القدير أن يجنبنا شر الأشرار وكيد الكفار وأن يرزقنا حسن الختام إنه سميع
مجيب
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
والحمد لله رب العالمين
* * * * * * * * * * *